كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال عبد العزيز: فأقبل علي المأمون فقال: يا عبد العزيز مالك قد أمسكت أجبه إن كان عندك جواب لمسألته، فقلت: ليس يدعني يا أمير المؤمنين أكلمه من ضجيجه وصياحه، فإن أمسك تكلمت وأجبته وكسرت قوله بإذن الله عز وجل، وإن أراد أن يهذي ويروج الكلام إلى قطع المجلس لم أتكلم، وكان أمير المؤمنين أطال الله بقاه أعلا عينا بما يراه، فصاح به المأمون أمسك وأسمع الجواب منه عما سألت.
قال عبد العزيز: فأمسك، فقال لي المأمون: تكلم يا عبد العزيز بما تريد. فقلت: يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك ما خفي عليك حرف واحد مما جرى اليوم في مجلسك ولنعم الحاكم أنت جزاك الله عن رعيتك أفضل الجزاء، وبشر يقول: ما يخطر بباله من غير علم ولا حقيقة لقوله، فإن رأى أميرالمؤمنين أن يتحفظ علينا ألفاظنا وما يجري بيننا في هذه المسألة ويشهد علينا بما نقول ويطالب كل واحد منا صاحبه بإقامة الشاهد على ما يقول، من الكتاب والسنة فعل. فقال: أنا أفعل ذلك منذ اليوم.
قال عبد العزيز: فأقبلت على بشر فقلت: أخبرني عن جعل هذا حرف محكم لا يحتمل غير الخلق، فقال بشر: نعم هو حرف محكم لا يحتمل معنى غير الخلق وما بين جعل وخلق فرق عندي ولا عند غيري من سائر الناس، ولا عند أحد من العرب، ولا من العجم، ولا يتعارفون الناس ولا يعقلون غير هذا في كلامهم ولغاتهم سواء عندهم قالوا: خلق أو جعل.
فقلت لبشر: أخبرني عن نفسك ودع ذكر العرب وسائر الناس فأنا من الناس ومن الخلق ومن العرب أخالفك على هذا وكذلك سائر العرب تخالفك.
فقال بشر: هذا باطل منك ودعوى تدعيها على العرب وغيرهم وليس يخالف في هذا أحد من خلق الله غيرك خوفا على نفسك مما هو نازل بك لا محالة.
قال عبد العزيز: أخبرني بإجماع الخلق بزعمك على أن جعل وحلق واحد لا فرق بينهما في هذا الحرف وحده أو في سائر القرآن من الجعل، قال: بل في سائر القرآن من ذلك وفي سائر الكلام والأخبار والأشعار.
قال عبد العزيز: فقلت: حفظ عليك أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ما قلت وشهد به عليك.
فقال بشر: أنا أعيد هذا القول عليك متى سألتني عنه ولا أخالفه ولا أرجع عنه.
قال عبد العزيز: فقلت لبشر: زعمت أن معنى جعلناه خلقناه قرآنا عربيا، قال: نعم هكذا قلت وهكذا أقول أبدا فقلت: الله عز وجل تفرد بخلقه ولم يشاركه فيه أحد، أو شاركه في خلقه أحد، قال: بل الله خلقه وتفرد بخلقه ولم يشاركه في خلقه أحد.
قال عبد العزيز: أخبرني عمن قال: إن بعض ولد آدم خلقوا القرآن من دون الله أمؤمن هو أم كافر؟ فقال: بل كافر حلال الدم.
فقلت: وأنا أقول أيضا هكذا كافر حلال الدم.
قلت: فأخبرني عمن قال من أن التوراة خلقها اليهود من دون الله تعالى أمؤمن هو أم كافر؟ قال: بل كافر حلال الدم، فقلت: وأنا أقول أيضا هكذا كافر حلال الدم. قلت: فأخبرني عمن قال: إن بني آدم خلقوا الله، وأن الله أخبر بذلك. أمؤمن هو أم كافر؟ قال: بل كافر حلال الدم. قلت: وأنا أقول أيضا مثل ذلك.
فأخبرني يا بشر أليس الله خلق الخلق كلهم أجمعين؟ قال: بلى. قلت: فهل شاركه في خلقهم أحد؟ قال: لا. قلت: فمن قال إن بعض بني آدم خلقوا الله أمؤمن هو أم كافر؟ قال: بل كافر حلال الدم. قلت: وأنا هكذا أقول.
قال بشر: قد قعدت تمتحنني وتشغلني حتى يؤذن الظهر وينقطع المجلس رجاء أن تنصرف سالما وهو مالا يكون عندك جواب لمسألتي وإلا فقد انقطع الكلام وأي شي هذه الخرافات.
قال عبد العزيز: فقلت يا أمير المؤمنين ليس ينصفني فأمره أن يجيبني عما أسأله عنه، فإن الذي بقي أيسر، ثم أجيبه عن مسألته وعن كلامه، فقال له المأمون فأخبرني يا بشر أليس الله خلق الخلق كلهم أجمعين؟ قال: بلى. قلت: فهل شاركه في خلقهم أحد؟ قال: لا. قلت: فمن قال إن بعض بني آدم خلقوا الله أمؤمن هو أم كافر؟ قال: بل كافر حلال الدم. قلت: وأنا هكذا أقول.
قال بشر: قد قعدت تمتحنني وتشغلني حتى يؤذن الظهر وينقطع المجلس رجاء أن تنصرف سالما وهو ما لا يكون عندك جواب لمسألتي وإلا فقد انقطع الكلام وأي شي هذه الخرافات.
قال عبد العزيز: فقلت يا أمير المؤمنين ليس ينصفني فأمره أن يجيبني عما أسأله عنه، فإن الذي بقي أيسر، ثم أجيبه عن مسألته وعن كلامه، فقال له المأمون: أجبه عن كلامه وما يسألك، قال الساعة يؤذن بالصلاة وينقطع المجلس، فقال المأمون: يؤخر الأذان بالصلاة إلى آخر الوقت وإن احتجتما إلى المجلس بعد الصلاة لتمام الكلام جلست لكما حتى تفرغا.
قال عبد العزيز: ثم أقبل علي المأمون فقال: سله يا عبد العزيز عما تريد ولا تدع شيئا مما تحتاج إليه فإني متحفظ عليكما جميع ما يجري بينكما وشاهد عليكما، فقلت له: جزاك الله عني يا أمير المؤمنين خاصة وعن رعيتك عامة أفضل الجزاء فقد جلست منا اليوم مجلس الإمام العادل أحسنت إلى حين رأيتني جزعا فسكنت روعتي وآنست وحشتي وبسطت لساني بحجتي وتابعت الحق حين ظهر لك ودافعت وانتصرت له وشهدت لي بثبات الحجة، ودفعت أهل الباطل حين زهق واضمحل، وبانت فضيحته، وشهدت على بطلانه، وأنصفت في مجلسك، وكان ذلك كله منك بتوفيق الله تعالى وتأييده إياك فله الحمد والشكر على ما أولاك وأولى رعيتك فيك يجزيك الله أفضل ما جازى أحدًا من الأئمة عن رعيته.
فقال لي المأمون: قد أبلغت يا عبد العزيز في القول والشكر ولك الزيادة مما ابتدأناك به، فارجع إلى مسألة بشر وأسأله عما تريد.
قال عبد العزيز: فأقبلت على بشر فقلت: أخبرني عمن زعم إن بعض بني آدم خلقوا الملائكة من دون الله تعالى أمؤمن هو أم كافر؟ قال: بل كافر حلال الدم. فقلت: وأنا أقول هكذا أيضا. قلت: أخبرني عمن زعم إن بعض بني آدم خلقوا لله شركاء أمؤمن أم كافر؟ قال: بل كافر حلال الدم. قلت: وهكذا أقول أنا أيضا.
قال عبد العزيز: فأقبلت على المأمون فقلت: يا أمير المؤمنين قد أقر بشر أنه كافر حلال الدم، وكل من قال بقوله ووافقه على مذهبه، وعلمت إني قد أخطأت، وأطرق المأمون إطراق مغضب، نظر إليه بشر فقال: يا أمير المؤمنين أطالالله بقاءك لم يكفرنا ويحل دماءنا بحضرتك وفي مجلسك بلا حجة ظهرت، وإنما سبب ذلك ليقول هذا.
قال عبد العزيز: فقلت له: قد شهد عليك أمير المؤمنين بما قلت. فقال لي المأمون: لقد افحشت القول وأعظمته واستشهدني على ما لم أسمعه ولم أشهد على بشر به ولا على أحد يقول بقوله.
قال عبد العزيز: يا أمير المؤمنين اسمع قول فإن كنت قلت حقًّا وإن بشرا قد كفر نفسه ومن قال بمقالته وأحل دمه ودماءهم وانتزعت على كل حرف من كلامي بآية من كتاب الله عز وجل، وإلا فدمي حلال وليأمر أمير المؤمنين بضرب عنقي الساعة على رؤوس الأشهاد وإن أتيت على ما قلت ولفظت به بنص الكتاب والتنزيل في كل لفظة وأقمت الشهادة على بشر من كتاب الله وسعني عدل أمير المؤمنين. قال: فقال لي: هات ما عندك ولا تطل الكلام بغير حجة.
قال عبد العزيز: فقلت: قال الله عز وجل: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} وقد خلقتم الله عليكم كفيلا، لا معنى لذلك عنده غيره، وإنه ومن قال بقوله ومن خالفه وسائر العرب والعجم يقولون هذا.
ثم قال: من قال هذا فهو كافر حلال الدم، وقد كذب في القول الأول، وصدق في قوله إن من قال هذا حلال الدم بإجماع الأمة.
وقال عز وجل: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} ولا تخلقوا الله عرضة لأيمانكم، لا معنى له عنده ولا عند من قال بقوله، ومن خالفه وسائر الخلق جميعًا غير هذا أن الله قال لبني آدم، ولا تخلقوا الله، ثم قال: من قال هذا فهو كافر حلال الدم، وأمير المؤمنين يشهد عليه بهذا اللفظ، وقد كذب في قوله، إن معنى ولا تجعلوا ولا تخلقوا، وصدق في قوله، إن من قال هذا فهو كافر حلال الدم بقوله وقولي وقول الناس جميعاً.
فقال المأمون: ما أقبح هذا وأشنعه وأعظم القول به. فقلت: قال الله سبحانه: {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَا يَشْتَهُونَ} فزعم بشر يا أمير المؤمنين إن بني آدم يخلقون الله البنات، ويخبر بذلك عن الله عز وجل وإنه هو قاله وشهد به على نفسه، ثم قال: من قال هذا فهو كافر حلال الدم بإجماع الأمة.
قلت: وقال عز وجل: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ}فزعم بشر يا أمير المؤمنين إن معنى وجعلوا وخلقوا، ولا معنى له عنده ولا عند من قال بقوله غير هذا فزعم عن الله عز وجل إنه قال وخلقوا لله أندادًا ثم قال: من قال هذا فهو كافر حلال الدم بإجماع الأمة.
وقال الله عز وجل: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ} وخلقوا له شركاء الجن، لا معنى له عنده ولا عند من يقول بقوله ومن خالفه ولا عند سائر الناس إلا هذا، فزعم بشر أن الله عز وجل أخبر إنهم يخلقون له شركاء الجن، ثم قال: من قال هذا فهو كافر حلال الدم، وقد كذب في قوله إن معنى وجعلوا وخلقوا، وصدق في قوله إن من قال هذا فهو كافر حلال الدم بقوله وقول الناس جميعا. وقوله عز وجل: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرض أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ} فزعم بشر يا أمير المؤمنين إن معنى، وجعلوا، وخلقوا لله شركاء، لا معنى له عنده ولا عند من قال بقوله ولا من خالفه ولا عند العرب والعجم وإلا هذا المعنى فزعم أن الله عز وجل أخبرهم، إنهم خلقوا له شركاء وكذب بشر يا أمير المؤمنين وقال الباطل والزور، ولقد نفى الله تعالى ذلك وأبطله، وأخبر أنه لا يعلم من هذا شيئا وأخبر إن من قال ذلك كافر ضال بقول: {وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبؤونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول}.
وكما قال: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} وقال عز وجل: {فَلَمَا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} لا معنى له عنده ولا عند من قال بقوله وعند الناس جميعا غير هذا، ثم قال: من قال هذا فهو كافر حلال الدم، وكذب في الأول، وصدق في الآخر إنه كافر حلال الدم بإجماع الأمة، وقال عز وجل: {أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} فزعم بشر إن معنى أم جعلوا، أم خلقوا، لا معنى له عنده وعند من قال بقوله وعند الناس جميعا غير هذا، وزعم أن من قال هذا كافر حلال الدم، وكذب في قوله الأول وصدق في الآخر إنه حلال الدم كافر بإجماع الأمة، وقال عز وجل: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} فزعم بشر إن معنى قوله، وجعلوا، وخلقوا الملائكة، ثم قال: من قال هذا كافر حلال الدم، وكذب في الأول وصدق في الآخر إن من قال هذا فهو كافر حلال الدم بإجماع الأمة، وقال عز وجل: {وما قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا} فزعم بشر يا أمير المؤمنين إن معنى تجعلونه وتخلقونه، يعني أن اليهود خلقوا التوراة، ومعنى خلق التوراة خلق كلام الله عز وجل، فزعم أن اليهود خلقت كلام الله تعالى وأنه لا معنى لذلك عنده ولا عند غيره ومن قال بقوله وعند سائر العرب والعجم غير ذلك، ثم قال: من قال هذا فهو كافر خلال الدم، فكذب في الأول، وصدق في الآخر إنه كافر حلال الدم. ثم قال الله عز وجل: {كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} فزعم بشر إن معنى قوله الذين جعلوا القرآن عضين، الذين خلقوا القرآن عضين، ثم قال: من قال هذا فهو كافر حلال الدم، وقد كذب في قوله، إن المقتسمين خلقوا القرآن، وصدق في قوله، إن من قال هذا فهو كافر حلال الدم بإجماع الأمة.
قال عبد العزيز: فأقبل علي المأمون فقال: حسبك يا عبد العزيز قد أقر بشر على نفسه بالكفر وإحلال الدم وأشهد على نفسه بذلك وقد صدقت في كل ما قلت، ولَكِنه قال ما قال وهو لا يعقل ولا يعلم ما عليه في ذلك وهذا شيء يلزمه في نفسه خاصة ولا يلزم غيره ممن لا يقر بمثل ما أقر به ولا يحكم به على غيره بمثل ما حكم به بشر على نفسه.
قال عبد العزيز: فقلت: يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك إنما قد خاطبت أمير المؤمنين بما قد حصل في يدي، واقر بشر به وأشهد أمير المؤمنين على نفسه، وعلمت أن أمير المؤمنين قد حفظ عليه كلامه، ولولا ذلك ما اجترأت على ذلك، فقال لي المأمون، كنت تقصد بشرا وحده بالكلام والمخاطبة دون سائر الناس، قلت: لم يدعني، جعلت أسأله في خاصة نفسه فيقول: هذا قولي وقول سائر الناس وقول العرب والعجم، فأجبته على حسب كلامه، وصدق أمير المؤمنين هذا يلزم من أقر به دون غيره إلا من قال مثل قوله وأقر بمثل ما أقر به وهذا الذي عنيت بقولي الأول حين قلت: ومن قال بقوله فقال: قد أحسنت يا عبد العزيز الانتزاع.
قال عبد العزيز: ثم أقبل علي المأمون فقال: يا عبد العزيز تكلم في بيان هذا واذكر الجعل والخلق وفرق بينهما واشرح ذلك ليقف عليه من بحضرتنا ويعرفه، فقلت: نعم يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك، ولَكِن إن رأيت أن تأذن لي فأقول قبل البيان والشرح أشياء في هذا المعنى مما أكسر به قول بشر وأدحض به حجته وأفضح به مذهبه وأبطل به اعتقاده فقال: لا يطول بنا المجلس فقلت: يا أمير المؤمنين إنما أدرسه درساً يا أمير المؤمنين، قال: قل ما تريد، ولاتخاطب بشرا أقبل علي ودعه. قلت: قال الله عز وجل لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوما مَّخْذُولًا} وقال في موضع آخر لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوما مَّدْحُورًا} فزعم بشر يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه- صلى الله عليه وسلم- لا تخلق مع الله إلها آخر، فمن أقبح قولا من هذا أو أفحش منه. وقال الله عز وجل لنبيه عليه السلام: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} فزعم بشر إن الله قال لنبيه عليه السلام ولا تخلق يدك مغلولة إلى عنقك، فزعم أن الله خلقه وبعثه رسولا، وليس له يد، ثم خاطبه بعد الرسالة فقال: ولا تخلق يدك، والله سبحانه خلقه خلقا سويا، وما أقبح هذا القول وأشنعه وأبين كسره وقال الله عز وجل: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا} فزعم بشر يا أمير المؤمنين أن الله عز وجل قال لخلقه: لا تخلقوا دعاء الرسول بينكم، ما أقبح هذا من قول وأدحضه، وقال عز وجل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} فالله يأمرها بعد ولاته والرضاع له أن تلقيه في اليم ويعدها أن يرده إليها ويجعله من المرسلين. وبشر يزعم إنه وعدها أن يرده إليها ويخلقه، وهذا مالا يعقله الناس، كيف يخلقه وهو مخلوق، وقال عز وجل: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} وزعم بشر إنه يريد أن يمن على الذين استضعفوا في الأرض ويخلقهم وهم مخلوقون مستضعفون في الأرض هذا مالا تعقله العرب ولا العجم. وقال عز وجل: {يَا داود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض} فخاطبه بعد خلقه وبعد فهمه ومعرفته، وزعم بشر أن الله تعالى قال لداود: إنا جعلناك خليفة في الأرض، وهذا مما لو خوطب به داود عليه السلام ما عقله، وقال الله عز وجل مخبرًا عن دعاء إبراهيم عليه السلام وإسماعيل عليه السلام حين قالا: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} فأخبر أنهما دعيا ربهما وهما مخلوقان، وزعم بشر أنهما دعيا ربهما إن يخلقهما مسلمين كان قد خلقهما، وقال الله عز وجل مخبرا عن دعاء إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْ هذا الْبَلَدَ آمِنًا} وقد كانت مكة مخلوقة قبل آدم عليه السلام وقبل إبراهيم، فكيف يدعو إبراهيم بخلقها وهذا مما لا يعقله الناس، وقال عز وجل: {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} فأخبر الله أنه ما جعل ذلك كله، وزعم بشر أن الله ما خلق البحيرة ولا السائبة ولا الوصيلة ولا الحام، وإنما خلقهما الكفار من دون الله تعالى ومن قال هذا فقد كفر بالله عز وجل.